تركيا تحدد مسارها نحو طاقة مستدامة واستقلالية

تتجه تركيا الآن في رحلة استراتيجية جريئة في مجال الطاقة، بهدف تحقيق استقلالية طاقوية وتحويل قطاعها الطاقي نحو مستقبل مستدام. ومع الطلب المتزايد بشكل مستمر على الطاقة، تضع تركيا تركيزًا أساسيًا على ضمان أمن إمداداتها الطاقوية مع تقليل الاعتماد الشديد على المصادر الخارجية. تسعى البلاد لتنويع مصادر الطاقة وزيادة استغلال الموارد المحلية لتلبية احتياجاتها الوطنية في مجال الطاقة. تتضمن هذه الاستراتيجية استثمارات كبيرة في الطاقة المتجددة والطاقة النووية واستكشاف احتياطيات النفط والغاز المحلية.


للتصدي للتبعية العالية للواردات الطاقوية، حددت تركيا أهدافًا واضحة للحد من الاعتماد على المصادر الخارجية. حيث تستورد تركيا حوالي 70% من مصادرها الأولية للطاقة، وتعتمد على النفط الخام بنسبة 92% والغاز الطبيعي بنسبة 99%. تعتبر الاكتشافات الأخيرة في منطقة جبل جابر والجهود المستمرة في استكشاف مناطق أخرى ذات قيمة كبيرة لأمن الطاقة في البلاد. من خلال استغلال هذه الموارد المحلية، تهدف تركيا لزيادة استقلاليتها الطاقوية وتقليل تأثرها بتقلبات الأسواق العالمية.


تعد مكافحة تغير المناخ أيضًا دافعًا آخر وراء استراتيجية تركيا الطاقوية. حددت البلاد هدفًا لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2053، مما يتماشى مع اتفاقية باريس للتغير المناخي. يتطلب ذلك تغييرات شاملة في مختلف القطاعات، بما في ذلك النقل والمباني والصناعة والزراعة والطاقة. تعتزم تركيا اعتماد السيارات الكهربائية على نطاق واسع وزيادة استهلاك الكهرباء في جميع المجالات لتحقيق أهدافها في مجال التغير المناخي.


الكفاءة الطاقوية هي أيضًا مجال رئيسي يركز عليه تركيا. عن طريق تحسين الكفاءة في الإنتاج والاستهلاك وفي مختلف القطاعات مثل المساكن والصناعة والزراعة، تهدف تركيا إلى تقليل الانبعاثات وتحسين استخدام الطاقة. تعزز الكفاءة الطاقوية ليست فقط الأهداف المناخية للبلاد، بل تساهم أيضًا في مواجهة التحديات الاقتصادية مثل العجز في الميزان التجاري الحالي الناتج عن الواردات الطاقوية.


تلعب الطاقة المتجددة دورًا حيويًا في تحول الطاقة في تركيا. تمتلك البلاد إمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة، وخاصة في مجال الرياح والطاقة الشمسية. تحتل تركيا المرتبة الخامسة في أوروبا والثانية عشرة في العالم من حيث الطاقة المتجددة المثبتة. للاستفادة من هذا الإمكان الضخم، تهدف تركيا إلى إنشاء مشاريع رياح على اليابسة والبحر بسعة تصل إلى 1500 ميجاوات سنويًا، بهدف تحقيق قدرة مثبتة لطاقة الرياح تصل إلى 30,000 ميجاوات بحلول عام 2035. كما تخطط البلاد لتنشيط قدرة إنتاج الطاقة الشمسية بمعدل 3000-3500 ميجاوات سنويًا، بهدف الوصول إلى حوالي 40,000 ميجاوات بحلول عام 2035. تعمل هذه المشاريع في مجال الطاقة المتجددة ليس فقط على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في تركيا، ولكنها تقلل أيضًا من اعتمادها على مصادر الطاقة الأجنبية وتفتح آفاقًا للتصدير.


الطاقة النووية هي عنصر آخر مهم في استراتيجية تركيا الطاقوية. تلتزم تركيا بتطوير الطاقة النووية كمصدر للطاقة ذات الكربون المنخفض. تتواصل الأعمال بنجاح في محطة أككويو النووية، حيث من المتوقع أن تبدأ توليد الكهرباء من المفاعل الأول في المستقبل القريب. تهدف تركيا إلى الوصول إلى قدرة مثبتة للطاقة النووية تبلغ أكثر من 20,000 ميجاوات بحلول الخمسينيات من القرن الحالي، من خلال دمج محطات كهروضوئية ذات مقياس كبير ومفاعلات صغيرة قابلة للتعديل. تستكشف البلاد أيضًا التعاون مع الشركاء الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا وكوريا الجنوبية والصين، لتوسيع قدراتها في مجال الطاقة النووية.


بالإضافة إلى الطاقة المتجددة والطاقة النووية، تعمل تركيا بنشاط على تطوير احتياطياتها المحلية من النفط والغاز الطبيعي. اكتشافات حديثة في منطقة جابار زادت قدرة تركيا على إنتاج النفط الخام، مما يساعد البلاد على الحد من اعتمادها على واردات النفط. الجهود المستمرة في استكشاف منطقة حكاري تساهم أيضًا في هدف تركيا لزيادة إنتاجها المحلي من النفط. بالاستفادة من مواردها الخاصة، تهدف تركيا إلى تقليل اعتمادها على واردات الطاقة ومعالجة التحديات الاقتصادية، مثل العجز في الميزان التجاري الحالي.


تعمل تركيا أيضًا على تحويل نفسها إلى مركز إقليمي لتوزيع الطاقة. تهدف البلاد إلى تعزيز التعاون الطاقوي مع الدول المجاورة وتعزيز دورها في ضمان أمن الطاقة الإقليمي. أنشأت تركيا بنية تحتية حيوية، بما في ذلك محطات الغاز الطبيعي المسال، وتنوعت مصادر إمدادها الطاقوي، بما في ذلك واردات من روسيا وأذربيجان وإيران والولايات المتحدة. يجعل الموقع الاستراتيجي لتركيا منها لاعبًا رئيسيًا في ضمان أمن إمدادات أوروبا الطاقية، خاصة بعد التطورات الجيوسياسية الأخيرة.


تعتبر استراتيجية تركيا الطاقوية مشروعًا متعدد الأبعاد وطويل الأمد يتطلب جهودًا تعاونية من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الجهات الحكومية والشركات الخاصة والشركاء الدوليين والجمهور. من خلال التزامها بتنويع مصادر الطاقة وتقليل اعتمادها على الواردات ومواجهة التغير المناخي، فإن تركيا على استعداد لتشكيل مستقبل طاقة مستدام وآمن، مع تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز التعاون الإقليمي.